«العدالة العالمية كمتغير للسياسة الاجتماعية الدولية» عنوان الدراسة التي أجراها د. طلعت السروجي، أستاذ التخطيط الاجتماعي وعميد كلية الخدمة الاجتماعية السابق في جامعة حلوان، يحذّر فيها من مخاطر العولمة التي أزالت العدالة الاجتماعية ويطالب بتفعيل مفهوم العدالة لردم الهوة بين الغرب، الذي يدّعي الديمقراطية وينادي بحقوق الإنسان فيما هو يبتلع ثروات الدول النامية، وبين الشرق الرازح تحت وطأة الأمية والفقر.
عن هذه الدراسة وأهدافها، يتحدث د. السروجي في اللقاء التالي.

ما هدف دراستك «العدالة العالمية كمتغير للسياسة الاجتماعية الدولية»؟
محاولة ربط بين حقوق الإنسان في العالم وبين العولمة والثورة التكنولوجية والدعوة إلى إزالة الفوارق بين الدول، بالإضافة إلى تبنّي الحقوق الإنسانية العالمية وصحوة منظّمات المجتمع المدني العالمية.
كيف ترى دور منظّمات المجتمع المدني العالمية راهناً؟
أصبح لها دور واضح وملموس على الساحة الكونية في ظل التكتلات الدولية التي تعطي قوة أكبر للدول وأصحاب رؤوس المال، وتعدّ مطلباً رئيساً في العصر الحديث، على غرار الاتحاد الأوروبي الذي يُعتبر نموذجاً واضحاً في ذلك، فهو وحّد العملات ويسعى إلى توحيد التشريعات الاجتماعية.
كذلك، على منظّمات المجتمع المدني تبنّي سياسة اجتماعية دولية باعتبار أن حقوق الإنسان أضحت عالمية وظهرت حركات عدالة دولية في أوروبا، لذا باتت الدعوة إلى تبني مفهوم العدالة العالمية تلقى صدى واسعاً لارتباطه بالسياسة الاجتماعية الدولية، وقد خُصّص يوم في شهر فبراير (شباط) للاحتفال بالعدالة العالمية.

هل يدعم الواقع العدالة الاجتماعية؟
يفرز الواقع العالمي تبايناً بين ثروات الأمم وفي الملكية، ذلك أن الدول الكبرى تملك ما يقرب من 80% من ثروات العالم، ويُمنح حق الفيتو لدول من دون أخرى. كذلك، ثمة تمايز في العلاقات بين الدول مثل حيازة الأسلحة النووية أو موقف الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي من الثورات والاحتجاجات التي تحدث في الدول النامية.
ما سبب هذه الازدواجية برأيك؟
تبحث الدول الكبرى دائماً عن مصالحها الذاتية وليس عن تحقيق العدالة العالمية، بالإضافة إلى الحرية التي تتمتع بها الشعوب الغربية في الانتقال والسفر بين الدول الأوروبية من دون غيرها من الشعوب، ما يبرز تمايزاً واضحاً في الواقع العالمي، خصوصاً أن دولاً كثيرة لا تتعامل بصيغة واحدة مع المهاجرين إليها.
الى ماذا نحتاج لتطبيق العدالة الاجتماعية واقعياً؟
نلاحظ أن العدالة العالمية التي تتغنّى بها الدول الكبرى غير مفعّلة أو مطبّقة، فهي سرقت حضارتنا وصدّرت لنا ما يُسمى بالعدالة والنظريات الخاصة بها من دون تطبيق حقيقي منها لهذه العدالة. لذا من الضروري إعادة تشكيل منظّمات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني العالمية، في المقابل يجب أن تعمل الدول النامية، خصوصاً الدول العربية والإسلامية، على التكتّل في وحدات لمزيد من القوة والعدالة على الساحة الكونية.
ما السرّ في افتقادنا إلى العدالة؟
ليس لدينا القوة للمطالبة بها في المجتمع الدولي، ثم تتغنى الدول الكبرى بالعدالة وتلتهم الدول الصغرى بواسطة قوّتها العسكرية والتقنية.
هل لغياب العدالة أثر على المجتمعات العربية؟
بالطبع، لغيابها أثر على الحكومات والشعوب، لا سيما أن ثمة حكومات ترتمي في أحضان الدول الكبرى بهدف الاحتماء بها أو تحت ستار الحصول على إعانات، ما يؤدي إلى ضعفها وعدم استقلاليتها وفقدان القدرة الذاتية على اتخاذ القرارات التي تتوافق مع شعوبها.
ما موقف المواطن في الدول النامية من هذه القضية؟
يشعر بالظلم وبأنه أقل قوة وأقل قدرة، وبأن الدول الغنية تسيطر على مقدراته تحت ستار ما يُسمى بالعدالة العالمية، بالإضافة إلى زيادة الفجوة بينه وبين الحكومات، بسبب إهمال مطالبه وآرائه. كذلك، قد يشعر بالدونية وبأنه أقل علماً وثقافة ومهارة من المواطن المنتمي إلى الشعوب المتقدّمة.
ما النتائج التي قد تترتب على هذا الشعور؟
قد يؤدي ذلك إلى احتجاجات وفقدان الشعوب لحضارتها، لأن الحضارة إنسانية وليست غربية وتستفيد منها الشعوب كافة وليس الغرب فحسب، للأسف نجد أن 1.2 مليار شخص محرومون من فرص الحصول على مياه الشرب و2.4 مليار شخص محرومون من خدمات تنقية المياه.
ما أهمية السياسة الاجتماعية العالمية؟
من شأنها أن تُحدث تبادلاً عالمياً أوسع، تنشئ معنى أقوى للعالم كعالم واحد، تخفّف آثار التنافس العالمي، وتدعم فكرة حقوق الإنسان العالمية.
نلاحظ اهتماماً متزايداً بالوعي العالمي للمشاكل العالمية، على غرار المشاكل البيئية لذا تحرص شبكات عالمية على تقوية المنظّمات البيئية، وهذا الأمر يدعم روح الوعي العالمي ويدفع إلى إيجاد حلول شاملة.

هل ثمة تمايز بين الشعوب في الشرق والغرب؟
ترى الشعوب في الدول العربية أنها لا تقلّ عن الشعوب في الدول الغربية حضارةً أو ثقافةً أو حريةً أو ديمقراطيةً، لذا تطالب حكوماتها بأن تكون مماثلة للحكومات والنظم الغربية، وبألا تقلّ ديمقرطيتها عن نظيرتها في الغرب. ثم الحضارة الإنسانية أحد حقوق الشعوب العربية كونها تعيش في إطار كوني أحدثته العولمة، ولا يمكن التمييز بين الحرية والديمقراطية أو أساليب التعبير عن الحاجات بينها الدول الغربية.
ما عيوب العولمة؟
ليست النظام الأمثل للعدالة ومواجهة الفقر والبطالة.
ما تأثير العولمة على المجتمعات العربية؟
لها تأثير على المحيط الثقافي في مجتمعاتنا، لأن الثقافة الوافدة تميل إلى الثقافة المالية وما يتبعها من مظاهر التفتيت والفردية، ما يؤثر على العلاقات الأسرية التي اعتادت عليها مجتمعاتنا العربية، لذا ينمو تفكير نحو تدعيم مفهوم العولمة البديلة أو الطريق الثالث بما لا يسمح بالاعتماد على الليبرالية والرأسمالية بشكل رئيس، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
ما مزايا العدالة العالمية؟

سلطة العدالة والمواطنة كعولمة جديدة وتحقيق التوزيع العادل لثروات العالم وإقامة عدالة عالمية بلا ضفاف.
ما رأيك بالثورات التي تشهدها المنطقة العربية اليوم؟
هي نتيجة لمظاهر العولمة التي حرّكت الشعوب وغيّرت الثقافات، فالإنسان في الدول النامية يقلّد الإنسان في الدول المتقدّمة، حيث يتاح له حق الاحتجاج والاعتصام والاعتراض من دون خوف.
ما أبرز الاقتراحات التي قدّمتها في دراستك؟
تعميم العدالة العالمية وعدم التمييز بين الدول، خصوصاً في العلاقات بين الحكومات والشعوب، الاهتمام بالسياسة الاجتماعية الدولية من خلال التكتلات العالمية، الالتزام بحقوق الإنسان العالمية، تنشيط وتفعيل منظمات المجتمع المدني وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني العالمية، محاربة الاستعباد الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وتحقيق التوزيع العادل لثروات الأمم والشعوب.
كيف يمكن تنفيذ هذه المقترحات؟
ثمة مشكلة بين التنظير العلمي والجهات التنفيذية، ذلك أن حلقة الوصل مفقودة في أيّ بحث لا تنفَّذ نتائجه، ما يؤثر على مستقبل الدراسات الإنسانية عموماً.