الأربعاء، 10 أبريل 2013

دعوة للاستفادة من موقعى الجديد  talatelsrogi.com

مقالات صحفية العشوائيات قنبلة موقوته كيف ننزع فتيلها ؟

مجلة التبيان - العدد 106 4ابريل 2013

العشوائيات قنبلة موقوتة كيف ننزع فتيلها؟


العشوائيات مشكلة متراكمة عبر عقود وحكومات، حتى وصلت إلى وضع كارثى.. وانفجرت هذه القنبلة الموقوتة فى وجه المجتمع عقب الثورة، وأصبحت تمثل حِزامًا ناسفًا ملفوفًا حول العاصمة وقد بلغ عدد العشوائيات فى مصر 1221 منطقة، منها 20 منطقة تقرر إزالتها لأنها لا تقبل التطوير، بالإضافة ل 1130 منطقة قابلة للتطوير، و 71 منطقة فى محافظات السويس والإسماعيلية ومرسى مطروح وشمال سيناء وبورسعيد، وهذه المناطق لم تدخل ضمن خطة التطوير الحكومية حتى عام 2007م على الرغم من إدراج 11 محافظة فى خطة التطوير الأولى.. فى هذا التحقيق نتعرف على خطورة هذه المشكلة وطرق معالجتها.
توفير الخدمات الأساسية والمشروعات الصغيرة من وسائل العلاج
يرى الدكتور مختار الشريف- الخبير الاقتصادى- أن مشكلة العشوائيات تراكمت لسنوات طويلة نتيجة سوء السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وتركيز أعمال التنمية فى العاصمة، كما أن تدهور الأوضاع الاقتصادية فى الصعيد والريف دفع سكانهما للهجرة إلى القاهرة ليعيشوا فى أطراف المدينة، مشكلين حزام فقر بالمحافظة يهددها فى كل لحظة.
ويؤكد أن مشكلة العشوائيات ارتفعت حدتها بعد الثورة، وأن الانفلات الأمنى ساعدها فى ذلك، مما جعل من هذه المناطق بؤرًا جديدة للخارجين على القانون، قائلا: غياب الأمن أدى إلى وجود بلطجية جدد مستفيدين من المناخ العام السائد فى الشارع المصرى حاليا مع ارتفاع معدلات البطالة وتدنى مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر.
ويرى الشريف أن القضاء على العشوائيات ليس بالموضوع السهل، وأنه لابد من عمل خطة شاملة لتطويرها، ويزيد الأمر صعوبة أن الحكومة محاصرة بأوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع فى عجز الموازنة العامة للدولة.
تريف المدن وتمدين القرى
من جانبه يقول د. طلعت السروجى- عميد كلية الخدمة الاجتماعية السابق- جامعة حلوان العشوائيات كظاهرة نمت وبشكل سريع نتيجة لغياب التخطيط الواعى للمدن فى السنوات السابقة مما أدى إلى ظاهرة "تريف المدن" و "تمدين القرى"، ولم يعد هناك حد فاصل بين خصائص وحاجات سكان الريف والمدينة نتيجة للهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة وذلك بسبب محدودية فرص العمل فى القرى وغياب الخدمات فيها، مما يجعل المدينة منطقة جذب للأعداد المتزايدة لتوافر فرص العمل والخدمات فى المدينة، وهذا كله أحدث ضغطًا على الخدمات فى المدن ولم تتبن الدولة طوال العقود السابقة نموذجًا تخطيطيًا محددًا لمواجهة مشكلة العشوائيات ومدن الصفيح، وغالبا ما يسكن هؤلاء فى أطراف المدن ونتيجة لغياب التخطيط الواعى من البداية وعدم تدخل الدولة للحد من تفاقم المشكلة أصبح هناك 18 مليون نسمة من المصريين يعيشون فى هذه العشوائيات.
الحقد الطبقى
ويضيف د. السروجى أصبحت العشوائيات بؤرًا للجريمة والانحراف نتيجة للكثافة السكانية والبطالة والطبيعة العمرانية لهذه العشوائيات؛ حيث الحارات والأزقة التى تدفع إلى الجريمة، كما أن عدم توافر الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه يسبب نوعًا من الحقد الاجتماعى أو الحقد الطبقى وقد يدفع ذلك إلى زيادة معدلات الانحراف والجريمة والرغبة الانتقامية لدى سكان العشوائيات، حيت ترك بعضهم الريف للحصول على فرص عمل ولم يجد الفرصة التى كان يحلم بها مما جعل من السهل انقياد هؤلاء لعمليات التخريب والانحراف والجريمة وبهذا الشكل تكون القرية قد فقدتهم ولم تستفد منهم وأصبحوا عالة على المدينة.
نحو الحل
يرى د. طلعت أنه يجب تنشيط وتفعيل الدور التشريعى للدولة وبصفة خاصة فى تشريع التخطيط العمرانى وأن هذا يتم بالإحلال أو بالتجديد أو بالنقل إلى مناطق أخرى.. والأفضل من هذا وذاك أن يكون الاهتمام بالريف أكثر من المدن حتى يصبح الريف مناطق استقرار وجذب لسكانه.
ويشدد د. طلعت على ضرورة تفعيل دور الجمعيات الأهلية بقوة وتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وغيرهما للمناطق العشوائية، وتوفير مناطق جذب جديدة لهؤلاء خارج المدن، بحيث يتوافر فى هذه المناطق الجديدة فرص العمل والخدمات اللازمة والضرورية لكى يسهموا فى تنمية مجتمعهم، إضافة إلى ضرورة نشر الصناعات الحرفية الصغيرة والمشروعات الأسرية من خلال تفعيل دور وزارة الشئون الاجتماعية كما يمكن العمل على تفعيل دور المجتمع المدنى لتوفير الخدمات لسكان هذه المناطق.
واعتبر د. طلعت أن المنح المادية أو العينية لهؤلاء مجرد مسكنات لا تواجه المشكلة وأنه يجب التركيز على العشوائيات كمجتمع جغرافى والحد من انتشار العشوائيات.
دور الدعاة
أما د ياسر عمر إمام وخطيب مسجد قاهر التتار بمصر الجديدة فيؤكد على دور الدعاة فى هذه المرحلة لأن الناس تعتبرهم قُدوة، والناس فى حاجة إلى صوت وسطى يبلغهم دينهم، وأنه لابد لحل هذه المشكلة أن نمشى فى خطين متوازيين؛ الأول أن نشبع معدة هؤلاء، والثانى الاهتمام بهم دعويًا وأخلاقيًا.
وأضاف لقد واجه عمر بن الخطاب مشكلة المجاعة بالتوكل على الله، مع الأخذ بالأسباب بالتوجه إلى الأغنياء والموسرين من رعيته، واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد، وجعل يحمله على ظهره مع الحاملين إلى حيث يعثر على الجياع والفقراء وآلى على نفسه وأهله ألا يأكلوا طعامًا أنقى من الطعام الذى يصيبه الفقير، وكان يطبخ بنفسه كى يُطعم الفقراء والمحتاجين وكان بعض السلف يتفقد أصحاب البيوت المحتاجين ويسألهم: هل لكم زيت؟ هل لكم ملح؟ هل عندكم حاجة؟ ولما مات زين العابدين بن الحسين، وُجد أثناء الغسل فى ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب (الكيس) إلى بيوت الأرامل والمساكين.
لقد كانوا يرون أن قضاء حوائج الناس من العبادات التى يتعدى نفعها، وهى أولى بالتقديم من القرب المحضة إذا تعارضتا، حتى قال الحسن البصرى: لأن أقضى لأخ حاجة أحب إلىَّ من أن أعتكف شهرين.
وكان عمر بن عبدالعزيز يرى أن الأكباد الجائعة أولى بالصدقات من كسوة الكعبة، فقد كتب إليه الحجبة أن يأمر للبيت بكسوة، كما كان يفعل من كان قبله، فكتب إليهم إنى رأيت أن أجعل ذلك فى أكباد جائعة، فإنه أولى بذلك من البيت.
التكافل الاجتماعى
وأضاف د. ياسر من المهم إعادة تطبيق التكافل ماديًا واجتماعيًا حتى يقضى على الفقر والجهل والمرض.
فالمجتمع يعانى من مشاكل وأزمات قديمة وجديدة، والمهم هو التفكير فى حلها عبر إحداث تغيير حقيقى فى مسيرتنا الاجتماعية، وهذا التغيير يأتى بتقديم كل فرد من أفراد المجتمع ما يستطيع من خدمات وطاقات لتنصهر فى النهاية فى بوتقة المجتمع لننير الدرب كى ينمو المجتمع نمواً حقيقياً فى مختلف المجالات.
لابد من تقديم العون للناس دون مقابل لوجه الله تعالى: (لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان:9).
ويؤكد هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
ويؤكد د. ياسر عمر أن التكافل الاجتماعى فى الإسلام ليس مقصورًا على المساعدات المادية فقط، بل إن التواد والتراحم والتعاطف المعنوى هو نوع من التكافل بين أفراد المجتمع.
ويشير إلى ضرورة الرعاية المعنوية والمادية بالفئات الفقيرة والمهمشة، خاصة فى العشوائيات، حتى ننزع فتيل تلك المشكلة التى تمثل «قنبلة موقوتة»، ويحتاج علاجها لتضافر كل الجهود فى كل المجالات.
تحقيق: غادة مظلوم

الجمعة، 5 أبريل 2013

دعوة للاستفادة

يمكن الرجوع  لموقعى الجديد   talatelsrogi.com

رأس المال الاجتماعي في إطار التنمية البشرية


رأس المال الاجتماعي في إطار التنمية البشرية - إعداد الدكتور محمد سعيد الحلبي
المصدر : الباحثون مجلة علمية ثقافية العدد 65 تشرين الثاني 2012
لقد أضاع العالم النامي حوالي نصف قرن في الاعتقاد الخاطئ بأن التنمية تتعلق بتكوين ومضاعفة رأس المال المادي، فليس من الضروري أن يضيع نصف قرن آخر في الاعتقاد بأن التنمية تتعلق برأس المال الطبيعي، فصحيح أن التقرير الخامس للتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قام بوضع أجندة للتنمية الاجتماعية إلا أن التنمية لم تحقق الأهداف المرجوة ومتطلبات الألفية الثانية فكيف الثالثة.
رأس المال الاجتماعي والتنمية:
ليست التنمية البشرية مفهوماً جديداً فقبل بضعة عقود كانت تُستعمل للإشارة بشكل أُضيف له الاستثمار في المهارات البشرية، وكان يُنظر لها على أنها مكون ضروري للاستثمار في رأس المال المادي.
أما في أوساط المتخصصين الإداريين كانت التنمية تميل إلى التساوي مع تطوير الموارد البشرية، وجوهر التنمية هو جعل التنمية البشرية في خدمة الناس بدلاً من وضع الناس في خدمة التنمية.
ففي القمة الاجتماعية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المنعقدة في الدانمرك بين 6 و12 آذار 1995 ركز الخبراء على ما أصاب العالم من مشاكل اجتماعية سببه التركيز والاهتمام على الاقتصاد، كما أن الجانب الاجتماعي لم يعد يتجاوز مفهوم الرعاية الاجتماعية التي يُعظّم الاهتمام بها لا لأنها تمثل شقاً يُقتدى به في الفكر التنموي بل بدعوى أنها العلاج السحري للأمراض التي يخلفها التنازل الاقتصادي الأحادي النظرة، الأمر الذي جعل المفكرين التنمويين يفكرون بالنهوض برأس المال الاجتماعي المطلوب تحقيق كفاءة اجتماعية فيه لتحقيق التغيير اللازم للتنمية وليس مجرد كفاءة اقتصادية في ظل تنظيم اجتماعي ثابت.
إن النموذج التقليدي للتنمية يركز على الفرد وعلى مفهوم التنافس فيما يركز منهج التنمية البشرية على السياق الاجتماعي وعلى التعاون وعلى إقامة الروابط، فلا يمكن لبرامج وخطط التنمية أن تحقق مبتغاها في التنمية إلا باعتبار أن الخصوصية الحضارية والتقاليد الخاصة بكل حضارة تعتبر شيئاً نافعاً للتنمية لا عائقاً لها، فالنظريات الحديثة تركز على الاستثمار في اقتصاديات الثقة ما بين الأفراد والمؤسسات لتحقيق التنمية المطلوبة.
إن رأس المال الاجتماعي يختلف عن باقي أشكال رأس المال الأخرى بأنه يهتم بالعلاقات الاجتماعية في المجتمع منها العمليات الاجتماعية وتوقعات أفراد المجتمع من علاقاتهم داخل وبين الجماعات ولها أصولها ومدلولها الثقافي والحضاري في المجتمع والذي يدفع الأفراد إلى الشعور بالأمان والانتماء والثقافة السياسية والالتزام بالقوانين والأعراف الاجتماعية وتدعيم اتجاهاتهم والتعبير عن المشاركة والمشاعر والمنفعة وابتكار الأساليب والأدوات باعتبارها جزءاً من التقدم والرفاهية.
إن التنمية لا تعني تدمير القيم وإيجاد الجديد ولكن تنبع من الواقع ومعالجة أي خلل قد يطرأ على التنظيم الاجتماعي، فهي إذاً عملية حداثة تنطلق من ثقافة محددة معتمدة على رأسمال اجتماعي فعال في تحمل مسؤوليتها وتبعاتها والقدرة على قيادته بنفسه وفق برامج تنموية تخطيطية فاعلة وواقعية ترتبط بالحاجات الخفيفة، وتساهم في تنمية رأس المال الاجتماعي وبناء وتنمية الشخصية التنموية.
وينطلق التخطيط الاجتماعي بواقعية من خلال وقائع ومؤشرات نوعية الحياة في المجتمع للمساهمة بفاعلية في تحسين الحياة والارتقاء بمؤشراته، كما يرتبط تحسين نوعية الحياة بتحقيق الرفاهية الاجتماعية من خلال حسن توظيف وتوجيه رأس المال الاجتماعي، ورفاهية الفرد ليست رفاهية المجتمع لأن الكل أكثر من مجموع الأجزاء الفرعية؛ لذا فإن مقاييس الرفاهية للفرد لا يمكن أن تتساوى مع مقاييس الرفاهية الاجتماعية.
إن المقاييس الأكثر شيوعاً هي مقاييس اقتصادية، وقد تكون اقتصادية اجتماعية وتقيس فقط ما يمكن قياسه بسهولة كالمستويات التعليمية والحالة الصحية والسكانية والدخل والإنفاق والعمالة كمقاييس الرفاهية الاجتماعية، وذلك لارتباطها بفرص الحياة، وهذه المقاييس تتعامل مبدئياً مع مواقف الأفراد أو الأسر ولكنها ليست بمزايا جماعية أو تفاعلية علاقية.
وبناءً على ما سبق نجد أن ممارسة التخطيط الاجتماعي تتضمن تعدد الخيارات لفرص الحياة وتستهدف أولاً تحسين نوعية الحياة والارتقاء بمؤشراتها والقياس المستمر لها باعتبار أن رأس المال الاجتماعي جزء من التقدم والرفاهية، ويمثل مقاييس الرفاهية ما نسميه الاقتصاد الاجتماعي، فالتنمية البشرية من خلال مقاييس الرفاهية تعتمد على مؤشرات الدخل لكنها غير كافية، فإذا كانت التنمية تهتم بتقليل الفقر وتعزيز الرفاهية لذا يجب أن تؤخذ أبعاد الفقر جمعياً في الاعتبار إذا كان المطلوب تقليل الفقر وتعزيز الرفاهية وينبغي أن يُنظر إلى الاتفاق الاجتماعي ليس كمجرد استهلاك عام بل كأحد العناصر التي تنطوي عليها التنمية الاجتماعية.
وتشير الرفاهية الاجتماعية إلى:
1- الرفاهية المادية: الأصول والغذاء والعمل.
2- السلامة البدنية: الصحة الجيدة والمظهر السليم والبيئة المادية.
3- الرفاهية الاجتماعية: القدرة على رعاية الأطفال وتدربيهم وتحقيق الاستقرار لهم، واحترام الذات والكرامة، والسلام والانسجام والعلاقات الطبيعية في الأسرة والمجتمع.
4- الأمن: السلام المدني، وبيئة سليمة ومأمونة، والأمن البدني والشخصي، وحكم القانون والوصول إلى العدالة، والأمن في الشيخوخة، والثقة في المستقبل، وحرية الاختيار والتصرف.
5- السلامة النفسية: راحة البال، والسعادة، والانسجام بما فيها الروحية والطقوس الدينية.
إن التخطيط للرفاهية الاجتماعية هو تخطيط للتقدم وتنمية حقيقية لرأس المال الاجتماعي.. إن التخطيط للرفاهية الاجتماعية هو الانتقال من الأهداف كفكرة والتحرك تجاه تلك الأهداف من خلال الممارسة الواقعية وتحول ترجمة وتصور الأفراد لواقعهم وتحديد الماهية والأهداف والمتطلبات، ويمكن تشبيه رأس المال الاجتماعي بأنه الوقود في التخطيط فلا يمكن لعربة التخطيط أن تقودنا إلى التخطيط من دون وجود رأس المال الاجتماعي.
ويتطلب التخطيط توليد وبناء رأس المال الاجتماعي وتنميته في المجتمع من خلال السمات الشخصية المرتبطة إيجابياً بالرفاهية الاجتماعية وهي: احترام الذات، والشعور بقوة الشخصية، والتفاؤل، والقدرة على التجريب بشكل مؤثر وفعال في التنمية، والقدرة على فهم وترجمة ما يدور في العالم من أحداث، والقدرة على معرفة الأهداف والتقدم نحوها، والإحساس بالالتزام الروحي والديني.
وبناءً على ما سبق فإن الثقافة تُعتبر نقطة أساسية في التخطيط الاجتماعي فلا يمكن في غياب الثقافة والقيم التي تحدد العلاقات والتفاعلات بصورة حاسمة ولا يمكن بناء رأس المال الاجتماعي دونها، كما أن تراكم رأس المال الاجتماعي هو عملية ثقافية في كثير من النواحي، وهو المفتاح لنمط التنمية الأكثر إنسانية، إضافةً إلى أن الثروة المتمثلة برأس المال الاجتماعي يمكن أن تُعتبر غاية بذاتها، كما أن العيش في المجتمعات التي تتسم برأسمال اجتماعي متطور يمكن أن تكون أفضل بكثير من العيش في المجتمعات التي يكون فيها رأس المال الاجتماعي ضعيفاً، ويخلق وجود رأس المال الاجتماعي المتطور بيئة صالحة للنمو والتنمية بل ويحقق أفضل العوائد، وأخيراً إن التركيز على التنمية يعني التركيز على التعاون بشكل كبير باعتباره عاملاً مساهماً في التنمية والتعاون وهو مؤشر أساسي من مؤشرات رأس المال الاجتماعي.
رأس المال الاجتماعي والتنمية المستدامة:
إن النموذج التقليدي للتنمية لم يعد مقبولاً، فقد شهدت المرحلة الماضية تغيرات أدت إلى بروز مفهوم جديد للتنمية فلا يمكن الزعم أن الوضع كان على ما يُرام، فالعالم تميَّز بأزمة ثلاثية تؤثر على التطبيقات التنموية: أزمة الدولة والسوق وأزمة العلم.
فأزمة الدولة تتمثل في فقدان المؤسسات الكثير من سلطتها ولم تعد موضع ثقة الكثيرين في البلدان، وأزمة العلم في انغلاقه على نفسه أكثر من اللازم، وأزمة السوق فقد أدى الطلب المتزايد على موارد الطبيعة إلى الإسراف في نفادها.
إن هذه الأزمات أدت إلى البحث عن مفهوم جديد يتضمن الأبعاد الإنسانية والاستدامة، فماذا تعني التنمية المستدامة؟
إن التنمية المستدامة هي توسيع خيارات الناس وقدراتهم من خلال تكوين رأس المال الاجتماعي لتلبية حاجات الأجيال الحالية بأعدل طريقة ممكنة من دون الإضرار بحاجيات الأجيال اللاحقة، فالتنمية البشرية المستدامة تقدم الأساس لاستعادة الثقة بالتفاعل بين ما هو اجتماعي وسياسي وتتطلب استعادة الثقة هذه اعتبار العلاقات ما بين الأفراد والفئات الاجتماعية جانباً مهماً من النسيج الاجتماعي والبيئي.
إن مفهوم التنمية البشرية تتحدد من مقاربة يمكن وصفها بالبديلة، ومن أهم خصائصها أنها تعترف بالتنوع وتقبل بإمكانية وجود عدة أنماط متوازية تؤدي كلها إلى التنمية البشرية، وهكذا تصبح الأعراف والتقاليد المحلية مصدر إثراء وليست حاجزاً في طريق التنمية وهي تضع الإنسان في مركز التنمية فتركز جهودها على التنمية البشرية والتربية وتعزيز المؤسسات التي تؤدي إلى تدعيم قوة العمل عند الأفراد من خلال العمل الجماعي، وهذه المقاربة التنموية البديلة تعتمد أساساً على رأس المال الاجتماعي «حمزة، 1998: ص8».. إن رأس المال الاجتماعي هو مفتاح التنمية الإنسانية القابلة للاستدامة فهو لا يقتصر على اعتبار الإنسان محرك التنمية بل يركز أيضاً على العلاقات ما بين البشر لأنه يشكل الأساس الذي تُبنى عليه الأخلاق الاجتماعية، فإذا كان رأس المال الاجتماعي يسعى لأن يحسّن قدرة الفرد على اتخاذ القرارات فإنه يسعى إلى تحسين قدرة الأفراد والشعب كله على اتخاذ القرارات طالما إنه من المؤكد أن القرارات الفردية المتعارف بها كقيمة داخل المجتمعات المنسجمة تغني كل المجتمع.
فرأس المال الاجتماعي بتعدّيه تعزيز قدرة كل فرد يسمح بإدراك أن توسيع خيارات الناس وقدراتهم لا تكون له قيمة إلا في سياق العمل الجماعي.. إن رأس المال الاجتماعي يلعب دوراً محورياً من الدرجة الأولى في التنمية المستدامة ذلك إنه لا يتكون بمرسوم حيث إن الالتزامات الأخلاقية التي تكون لبَّ رأس المال الاجتماعي لا تتطور إلا في سياق التفاعل الإنساني المليء بالقيَم.
إن رأس المال الاجتماعي يسهّل تنفيذ البرامج للتنموية المستدامة أو مشاريعها كونه أكثر تناغماً مع الظروف السائدة، وإن التركيز على رأس المال الاجتماعي يعكس ذلك عن طريق الاعتراف بأن النظام المعياري يختلف إلى درجة أنه يتطلب حلولاً تجديدية لا تقليدية، فهو يقدم عدسة للعثور على حلول للمشاكل تُبنى على المعرفة المحلية والمؤسسات المحلية، وباختصار هو تلك الصفات التي تربطها بالتنمية البشرية المستدامة «بانوري، 1995: ص11»..
إن التنمية المستدامة تتمثل في المبادئ التالية:
أ‌- العدل: لكل إنسان الحق في جزء من الثروة وإمكانات مجتمعه تعادل قيمة إسهامه في إنتاجها.
ب‌- التفويض: ويعني إعطاء كل إنسان إمكانية المشاركة في عملية اتخاذ القرارات وإمكانية التأثير في الإجراءات المزمع إنشاؤها.
ت‌- الشفافية والحوار والمسؤولية.
ث‌- التضامن بين الأجيال وبين الفئات الاجتماعية وبين المجتمعات من أجل:
1- الحفاظ على البيئة والمواد الخام لصالح الأجيال القادمة.
2- عدم إثقال الأجيال بالديون.
3- ضمان حصص عادلة من التنمية لمختلف الفئات.
حقيقة، إن هذه المبادئ تشمل ثقافة بناء رأس المال الاجتماعي، فهو بجانبه الأخلاقي يتجلى ويحمل في مبادئه العدل والإنصاف والتضامن ويسهم في بناء وخلق التنمية المستدامة والحفاظ على سيرتها، ويرى المتخصصون أن التحديد في مفهوم التنمية البشرية المستدامة لا يتمثل في الأهداف المحددة للتنمية التي تشترك مع بقية الطروحات التنموية، لكن الجديد هو دمج جميع هذه الطروحات داخل مفهوم التنمية البشرية المستدامة.
وقد أدى هذا الدمج إلى إعطاء التنمية البشرية المستدامة مقارنة وفاعلية كبيرة تتمثل في الحفاظ على رؤوس الأموال المادية والطبيعية والبشرية وتنميتها، وتضيف إليها رأس المال الاجتماعي الذي يلعب دوراً في الحفاظ عليها والربط فيما بينها.
إن مسألة التنمية ظهرت إثر الوعي بالأخطار المحدقة بالبيئة وبرأس المال الطبيعي للبشرية من جراء نماذج التنمية المتبعة والحصول على القناعة المتزايدة بضرورة الاهتمام بالإنسان ليكون بمقدور المشاركة في إنتاج مستقبل أحسن للأجيال القادمة، كما أن حماية البيئة ورأس المال الطبيعي من الاستغلال والتلوث يتطلب التآزر من جميع الفئات الاجتماعية داخل البلد الواحد ولا يتحقق ذلك إلا في ظل وجود شبكة من القواعد السياسية الاقتصادية التي تتضمن مشاركة الجميع في القرارات المتعلقة بمصيرهم، وبالتالي تطوير رأس المال الاجتماعي بضرورة تحقيق التنمية البشرية المستدامة، ومن دون رأس المال الاجتماعي لا يمكن تحقيق الأهداف التنموية لأن المفهوم يحدد وظيفة الهيكل الاجتماعي وبذلك يساعد شركاء التنمية في تفسير وتحليل نتائجها.
إن رأس المال الاجتماعي يعتمد على المبدأ القائل إن على المرء أن يتجاوز المصلحة الشخصية ويتصرف بموجب مصلحة المجتمع أو الجماعة التي ينتمي إليها.. إن الإنصاف والمشاركة من العوامل التي تحتاج إليها التنمية البشرية المستدامة، فالمشاركة الكاملة في القرارات والآليات التي توجب حياتهم وتضمن مشاركتهم الحية الفعلية وتلبي طموحاتهم تسعى إلى تمكين الأفراد والجماعات.
وبالنتيجة فإن تحقيق التنمية المستدامة لأهدافها يتطلب تطويراً للعلاقات على أساس مبادئ حسن الإدارة والمساءلة والإنصاف، وقبل هذا وذاك بناء رأس المال الاجتماعي وزيادته وتراكمه من خلال الآليات الثقافية.
رأس المال الاجتماعي والنوع الاجتماعي «الجندر»:
إن النوع الاجتماعي أو ما يسمى «الجندر» يعني الأدوار المسبقة لكل من الجنسين الذكر والأنثى، وهذه الأدوار تُكتسب بالتعليم وتتغير بمرور الوقت وتتباين تبايناً متسعاً داخل الثقافة الواحدة ومن ثقافة إلى أخرى، ويشير إلى الأدوار والمسؤوليات التي حددها المجتمع للمرأة والرجل ويعني الصورة التي ينظر إليها المجتمع إلينا كرجال ونساء والأسلوب الذي نتوقعه في تفكيرنا وتصرفاتنا، ويرجع ذلك إلى نظرة المجتمع وليس إلى الاختلافات البيولوجية الجنسية بين الرجال والمرأة.
إن الوعي بالنوع الاجتماعي يعني القدرة على تحديد المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالفرد بين الأدوار المحددة للجنسين حتى إن لم يكن ذلك واضحاً وجلياً في كثير من الأحيان، ويتطلب القدرة على معرفة الرؤى والاهتمامات المختلفة لكل من المرأة والرجل بسبب اختلاف أوضاعها وأدوارها ويتطلب تحديد وشرح الأسباب.
إن أدوار النوع الاجتماعي هي تلك الأدوار التي يقوم بها الفرد كل من الجنسين وهي أدوار شكلتها الظروف المجتمعية وليس الاختلاف البيولوجي، وتختلف عن أدوار الجنس البيولوجي فالأول من الممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين في حين أن أدوار الجنس البيولوجي تتسم بالثبات «السروجي، 2009: ص225».. إن رأس المال الاجتماعي يعتمد على العلاقات الإنسانية التطوعية التي تتحدد بشكل روابط وصلات اجتماعية شديدة التعقيد والتدخل لذا فهو يركز على تقديم الدعم والمساعدة للنساء خاصة على اعتبار أن الأعمال الموكلة لها هي أعمال كبيرة من الأدوار الاجتماعية وأغلبيتها كانت تتصل بالدعم والرعاية؛ لذا فإن رأس المال الاجتماعي على اعتباره يهتم بالفرد ضمن إطار الجماعة يسعى من جهة أخرى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، ومن جهة أخرى اكتساب القدرات ومن تم توظيف هذه القدرات المكتسبة، وكذلك اكتساب مكونات الرفاهية الإنسانية دون تمييز من الجنسين في ميدان النشاط الاقتصادي، فرأس المال الاجتماعي يسعى لأن يوظف هذه القدرات بشكل سليم ويقلل التفاوت في الأنشطة من خلال الأدوار وتنوعها.
وفي الختام:
أعتقد أن رأس المال الاجتماعي مُطالب أيضاً بتغيير ازدواجية التعامل مع كل من الجنسين ولاسيما في المجتمعات التقليدية وتحقيق المساواة، وكذلك مطالب بحماية المرأة على اعتبارها لا تزال تعاني من الحرمان والقهر الاجتماعي المتمثل في حرمانها من حقوقها الأساسية كالتعليم واختيار الزوج والعمل وتدني مستوى الأجر وغيرها من أشكال التمييز الاجتماعية؛ لذا فإن رأس المال الاجتماعي مطالب بحماية وتعزيز حماية الفئات المهمشة والفئات المستضعفة.

المراجع:
1- بانوري، طارق، التنمية البشرية من المفهوم النظري إلى التطبيق دليل العاملين في التنمية، سلسلة التنمية البشرية، الأمم المتحدة، 1995.
2- النقيب، فضل، مفهوم رأس المال الاجتماعي وأهميته بالنسبة للأراضي الفلسطينية المحتلة.
3- السروجي، مصطفى طلعت، رأس المال الاجتماعي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009.
4- حمزة، نبيلة، التنمية البشرية ودور المنظمات غير الحكومية - حالة البلدان العربية، سلسلة دراسات التنمية البشرية، الأمم المتحدة، العدد12، 1998.
5-
Fukiama, F, The great dinaption: human nature and the reconstitution of social order, New York,1999.
6-
Baum ,F, Palmer, families,"social capital and health", Australian institute of family studies, Melbourne.
7-
Ben, Daniel, Social Capital in virtual leaning communities and distributed communities, Canadian journal of learning and technology, 2003.

المصدر : الباحثون العدد 65 تشرين الثاني 2012