الأحد، 19 أغسطس 2012


مجلة التبيان - العدد 95 فوضى الفضائيات تكشف عورات المجتمع


الثلاثاء, 01 مايو 2012 13:09

غادة مظلوم

المشاهدات: 145


أدى الانفتاح الذى تعيشه مجتمعاتنا إلى ظهور مشاكل لم نكن نعانى منها من قبل عبر وسائل الإعلام، سواء كانت الصحف أم الفضائيات التى أصبحت المنبر

القوى لطرح جميع القضايا التى يعانى منها المجتمع الغاية جميلة والهدف مشروع، ولكن هل استطاعت الوسيلة أن تخدم الغاية وتحقق الهدف؟

تعددت الأسماء وتنوعت البرامج والمضمون واحد، برنامج يحمل هوية اجتماعية تطرح من خلاله قضايا الأسرة العربية وهمومها ومشاكلها.. فى أحد البرامج تتصل امرأة وتسأل "زوجى غير صريح معى هل أستمر معه أم لا؟"

وأخرى تقول: تزوجت رجلا متزوجا بأخرى. يحبنى ولكن؟

والثالثة تروى مشاعر بين شاب وفتاة، وآخر يقول: أمى هى مشكلة حياتى.

وجميعهم يطلبون النصيحة الأمينة والحل الأمثل للخروج من معاناتهم وهمومهم. يطلبون النصح من نجم تربع على عرش الفضائيات وأطلق على نفسه "خبير أسرى" أو "باحث اجتماعى" والذى يقوم بتقديم حلول سريعة وترسيخ مفاهيم فى عقول وقلوب المشاهدين خاطئة فى معظم الأحيان.

فوضى الفضائيات

مفاهيم قد تشجع الأبناء على التمرد على سلطة الأب أو الأم وتصور مواقف الآباء والأمهات الملتزمة بمنظومة القيم الدينية والاجتماعية على أنها تمثل الرجعية والتخلف والعقليات غير المسايرة للعصر وعدم الواقعية، بينما يمثل تمرد الأبناء خاصة البنات على رأى الآباء مواقفهم العصرية والواقعية، مما يؤدى إلى اهتزاز صورة الأب وتناقص التقدير والاحترام الذى كان يحيط بصورته طوال التاريخ.

وهكذا يكون الحال فى قضايا مختلفة ومشكلات متنوعة يتم طرحها بشكل مؤسف وتفاصيل مخجلة تحت شعار "إحنا بنعالج قضايا المجتمع"، حتى تسببت الفضائيات فى حدوث انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجماهير وتسببت فى نوع من البلبلة الفكرية وساعدت على الخلط بين الحلال والحرام، والصواب والخطأ وأصبح الجمهور يتأرجح بين التضارب الفكرى والأخلاقى والسلوكى مع غياب الوعى بالكثير من السلوكيات والقيم الإيجابية للأسرة عامة والمرأة والرجل بشكل خاص وأصبح الأزواج والزوجات يتخبطون بين ما يعرفونه من خبراتهم الخاصة وبين ما هو قادم من الفضائيات.

والسؤال الذى يتبادر إلى الأذهان هو لماذا يتم طرح مشكلات المجتمع المصرى على الفضائيات؟

يقول د. طلعت السروجى- عميد كلية الخدمة الاجتماعية السابق، جامعة حلوان تعتبر هذه البرامج خدمات مقدمة للجمهور ولكنها غير مفيدة لمجموعة أسباب أول هذه الأسباب أن مقدمى الحلول من غير المتخصصين مما يؤثر سلبا على ما يقترحونه من حلول، ويلجأ بعض الجمهور إلى هذه الوسيلة لأنه لم يجد أمامه سبلا أو طرقا أخرى للتعبير عن هذه المشكلات، ويعكس ذلك أن المشكلة لدى صاحبها ليست مشكلة حديثة ولكن المشكلة تطورت لديه إلى درجة الإفصاح أو التعبير عنها فلم يجد أمامه سوى مثل هذه السبل والوسائل للتعبير عن مشكلته.

بالإضافة إلى أن بعض الجمهور قد يرى أن مشكلته نموذج لغيره من أصحاب المشكلات المماثلة ويلجأ الكثيرون منهم إلى هذه السبل الحيل، والتى تكون معظمها غير مجدية حيث يقوم مقدمو الحلول بالحل السريع المباشر فى نفس التو واللحظة دون تحليل أو تفسير للمشكلة للوقوف على أسبابها الحقيقية والتشخيص السليم والدقيق للمشكلة حتى يمكن وضع الحلول المناسبة، وكأن هناك حلولا جاهزة دون تفسير أو تشخيص أو تحليل، وبعض المستمعين يلجأون إلى هذا الأسلوب، فمن الناحية النفسية يعد تنفيسا وجدانيا عن مشكلاتهم، لاسيما أن هناك من يصغى ويستمع إلى مشكلاتهم حيث لا يجدون من يستمعون إليهم فى تعبيرهم عن مشكلتهم مثل أولياء الأمور أو كبار السن أو حتى الأخصائيين الاجتماعيين فى المجتمع الذين لا يعرف كثير من المستمعين أنهم متخصصون فى مواجهة مثل هذه المشكلات أو القضايا المجتمعية.

ويدعو د. طلعت السروجى المتخصصين وكبار السن ورجال الدين إلى أن يفسحوا المجال للاستماع جيدا للمشكلات الفردية التى يعانى منها أفراد المجتمع وأن يكون لهم دور فعال وبصمة بارزة فى معالجة قضايا الأسرة ومشكلات المجتمع.

بين القبول والرفض

بينما يرى د محمود محيى الدين أستاذ الصحة النفسية جامعة الأزهر، أن معظم هذه البرامج يعتمد على "الشو" الإعلامى والاتفاق المسبق بين عارض المشكلة وأصحاب الحلول ليتم عرض الموضوع بشكل جيد وتسلسل ومنطقية لجذب المشاهد واستمالته ثم الدخول به فى دهاليز الاتصالات التجارية واستغلاله أسوأ استغلال باعتباره وسيلة للتربح ومصدر دخل للقناة ويقر د. محمود محيى الدين أن هناك بعض الناس يلجأون إلى مثل هذه البرامج لتفريغ المكبوتات الانفعالية لديهم مثل الشعور بالحزن والإحباط والاكتئاب بعد عجزهم عن التواصل مع ذويهم.

فعندما نستمع إلى العديد من المشاكل الأسرية والاجتماعية المطروحة على الفضائيات نتفاعل مع صاحبها ونحزن معه وقد نبكى له ولكننا ننسى أن البيوت أسرار وأن صاحب المشكلة قد يخفى أمورا ضده ليظهر للمشاهدين فى ثوب الضحية المظلوم من الجميع وكل من حوله هم المخطئون، لذا وجب علينا قبل الحكم فى أى موضوع ألا نكتفى بسماع طرف واحد من الرواية ونبنى الحكم دون بينة، بل لابد من الاستماع إلى كل الأطراف فقد يكون الطرف الآخر له عذر واضح ولكن صاحب المشكلة أغفله لغرض ما.

ويؤكد د. محيى الدين أنه ليست هناك مشكلة ما بين أطراف مختلفة يمكن أن تعالج دون الاستماع إلى جميع أطرافها، ولا يمكن أن تحل على الملأ، ولا يختلف اثنان فى أن النصيحة فى العلن يكرهها الناس لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم ولكن إذا أُخذ الرجل جانبا ونصح على انفراد فإن ذلك أدعى للقبول وأدعى للفهم.

قال الإمام الشافعى:

تعمدنى بنصحك فى انفرادى

وجنبنى النصيحة فى الجماعة

ولا يجوز إصدار أحكام أو إعطاء حلول فورية فى ضوء الكلام المحكى لأنه حتما سوف يكون الحكم خاطئا وربما ترتبت عليه نتائج أكثر سوءًا.

ويوضح د محيى الدين أن الإعلام رسالة والإعلام الهادف يجب أن يعمل على تنوير المجتمع وليس على نشر الأفكار الهدامة لثوابت الدين والأخلاق لدى الناس، وأن الإعلام الفضائى يوجه فى الأصل إلى جماهير وليس إلى أفراد لأنه يناقش قضايا اجتماعية ومشكلات مراهقة وسلوكا منحرفا وقضايا ذات طابع اجتماعى وليست مشكلات فردية.

"البيوت أسرار"

ويحذر د. فوزى السيد عبد ربه عميد الدراسات الإسلامية والعربية بنين- القاهرة، من انتقال مشكلات الزوجين خارج أسوار المنزل ويشدد على أن أخطر ما يهدد الحياة الزوجية ويؤثر على استقرارها هو انتقال مشكلات الأسرة إلى خارج البيت لأن مشكلات الزوجين إذا خرجت كبرت و "البيوت أسرار"، ويرى أن الكثير من المشكلات المطروحة على الفضائيات لا ينبغى عرضها بهذا الشكل المخجل بالكشف عن أشياء خاصة جدا بين الرجل والمرأة، أو ذكر خصوصيات بين أطراف عائلية فتكون إذاعتها بمثابة صب بنزين على نار مشتعلة وليست إخمادا لها.

والكلام لا يزال للدكتور فوزى عبد ربه الذى يلقى باللائمة فى تفشى هذه الظاهرة على عدة جهات، منها تراجع الدور الأساسى للمؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، ذلك التراجع الذى أدى بدوره إلى تراجع دور عالم الدين فى مجتمعه بعد أن كان فى الأزمنة السابقة مرجعية كبيرة لأهل حيه ودائرته، وأيضا غياب الشخصية البارزة فى كل حى وكل منطقة والتى تمثل القدوة الحسنة التى يلجأ إليها الناس فى حل مشكلاتهم ويؤكد د. عبد ربه أنه ينبغى على صاحب المشكلة أن يراجع نفسه ويفكر جيدًا هل يجوز عرضها على الهواء أم لا؟ وهل الحل فى عرضها أم فى إخفائها وعدم الحديث فيها على الملأ؟ وعليه أن يختار ناصحًا له خبرة جيدة بالحياة يعتقد أن لديه حلا لهذه المشكلة وأن يختاره أمينا فى أقصى درجات الأمانة قبل أن يطلب منه الرأى والمشورة.

أما الناصح أو مقدم الحلول فينبغى عليه قبل أن ينطق بالحكم أن يُلم بالمشكلة من ألفها إلى يائها، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يأتيه رجل وقد فقئت عينه يشتكى وقد أشفق الصحابة عليه وتوقعوا أن يحكم الخليفة لصالحه ولكن عدل الفاروق رضى الله عنه جعله يقول انظروا لمن فقأ عينه فربما يكون قد فقئت عيناه. قاعدة جميلة نستخلصها من هذه القصة وهى ألا نتسرع فى إطلاق الأحكام حتى نتبين وننظر لحال الطرفين ولا نبنى الحكم بالسماع لطرف واحد دون بينة. ولا بد أن تكون هناك آلية لسماع باقى الأطراف ويطمئن قلب الناصح إلى أن تدخله سوف يكون مقبولا من جميع الأطراف.

ما البديل؟

ويضيف د. عبد ربه أنه لا بد أن تعود القدوة الحسنة والأخلاقيات الأصيلة فى كل شارع وكل حى وأن يعود لعالم الدين مكانته وهيبته وكلمته المسموعة ودوره القيادى والريادى وأن يعود المثل الأعلى والشخصية القدوة فى كل حى ومنطقة، وأن تتجه الفضائيات إلى العمل الجاد والطرح المفيد الذى يدفع بالأمة إلى التقدم والازدهار وأن تكف عن زعزعة العقائد وتعميق الخلافات وإشاعة الفوضى فى المجتمعات الإسلامية.

تحقيق: غادة مظلوم (الكاتبة الصحفية)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق