الأربعاء، 10 أبريل 2013

مقالات صحفية العشوائيات قنبلة موقوته كيف ننزع فتيلها ؟

مجلة التبيان - العدد 106 4ابريل 2013

العشوائيات قنبلة موقوتة كيف ننزع فتيلها؟


العشوائيات مشكلة متراكمة عبر عقود وحكومات، حتى وصلت إلى وضع كارثى.. وانفجرت هذه القنبلة الموقوتة فى وجه المجتمع عقب الثورة، وأصبحت تمثل حِزامًا ناسفًا ملفوفًا حول العاصمة وقد بلغ عدد العشوائيات فى مصر 1221 منطقة، منها 20 منطقة تقرر إزالتها لأنها لا تقبل التطوير، بالإضافة ل 1130 منطقة قابلة للتطوير، و 71 منطقة فى محافظات السويس والإسماعيلية ومرسى مطروح وشمال سيناء وبورسعيد، وهذه المناطق لم تدخل ضمن خطة التطوير الحكومية حتى عام 2007م على الرغم من إدراج 11 محافظة فى خطة التطوير الأولى.. فى هذا التحقيق نتعرف على خطورة هذه المشكلة وطرق معالجتها.
توفير الخدمات الأساسية والمشروعات الصغيرة من وسائل العلاج
يرى الدكتور مختار الشريف- الخبير الاقتصادى- أن مشكلة العشوائيات تراكمت لسنوات طويلة نتيجة سوء السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وتركيز أعمال التنمية فى العاصمة، كما أن تدهور الأوضاع الاقتصادية فى الصعيد والريف دفع سكانهما للهجرة إلى القاهرة ليعيشوا فى أطراف المدينة، مشكلين حزام فقر بالمحافظة يهددها فى كل لحظة.
ويؤكد أن مشكلة العشوائيات ارتفعت حدتها بعد الثورة، وأن الانفلات الأمنى ساعدها فى ذلك، مما جعل من هذه المناطق بؤرًا جديدة للخارجين على القانون، قائلا: غياب الأمن أدى إلى وجود بلطجية جدد مستفيدين من المناخ العام السائد فى الشارع المصرى حاليا مع ارتفاع معدلات البطالة وتدنى مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر.
ويرى الشريف أن القضاء على العشوائيات ليس بالموضوع السهل، وأنه لابد من عمل خطة شاملة لتطويرها، ويزيد الأمر صعوبة أن الحكومة محاصرة بأوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع فى عجز الموازنة العامة للدولة.
تريف المدن وتمدين القرى
من جانبه يقول د. طلعت السروجى- عميد كلية الخدمة الاجتماعية السابق- جامعة حلوان العشوائيات كظاهرة نمت وبشكل سريع نتيجة لغياب التخطيط الواعى للمدن فى السنوات السابقة مما أدى إلى ظاهرة "تريف المدن" و "تمدين القرى"، ولم يعد هناك حد فاصل بين خصائص وحاجات سكان الريف والمدينة نتيجة للهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة وذلك بسبب محدودية فرص العمل فى القرى وغياب الخدمات فيها، مما يجعل المدينة منطقة جذب للأعداد المتزايدة لتوافر فرص العمل والخدمات فى المدينة، وهذا كله أحدث ضغطًا على الخدمات فى المدن ولم تتبن الدولة طوال العقود السابقة نموذجًا تخطيطيًا محددًا لمواجهة مشكلة العشوائيات ومدن الصفيح، وغالبا ما يسكن هؤلاء فى أطراف المدن ونتيجة لغياب التخطيط الواعى من البداية وعدم تدخل الدولة للحد من تفاقم المشكلة أصبح هناك 18 مليون نسمة من المصريين يعيشون فى هذه العشوائيات.
الحقد الطبقى
ويضيف د. السروجى أصبحت العشوائيات بؤرًا للجريمة والانحراف نتيجة للكثافة السكانية والبطالة والطبيعة العمرانية لهذه العشوائيات؛ حيث الحارات والأزقة التى تدفع إلى الجريمة، كما أن عدم توافر الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه يسبب نوعًا من الحقد الاجتماعى أو الحقد الطبقى وقد يدفع ذلك إلى زيادة معدلات الانحراف والجريمة والرغبة الانتقامية لدى سكان العشوائيات، حيت ترك بعضهم الريف للحصول على فرص عمل ولم يجد الفرصة التى كان يحلم بها مما جعل من السهل انقياد هؤلاء لعمليات التخريب والانحراف والجريمة وبهذا الشكل تكون القرية قد فقدتهم ولم تستفد منهم وأصبحوا عالة على المدينة.
نحو الحل
يرى د. طلعت أنه يجب تنشيط وتفعيل الدور التشريعى للدولة وبصفة خاصة فى تشريع التخطيط العمرانى وأن هذا يتم بالإحلال أو بالتجديد أو بالنقل إلى مناطق أخرى.. والأفضل من هذا وذاك أن يكون الاهتمام بالريف أكثر من المدن حتى يصبح الريف مناطق استقرار وجذب لسكانه.
ويشدد د. طلعت على ضرورة تفعيل دور الجمعيات الأهلية بقوة وتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وغيرهما للمناطق العشوائية، وتوفير مناطق جذب جديدة لهؤلاء خارج المدن، بحيث يتوافر فى هذه المناطق الجديدة فرص العمل والخدمات اللازمة والضرورية لكى يسهموا فى تنمية مجتمعهم، إضافة إلى ضرورة نشر الصناعات الحرفية الصغيرة والمشروعات الأسرية من خلال تفعيل دور وزارة الشئون الاجتماعية كما يمكن العمل على تفعيل دور المجتمع المدنى لتوفير الخدمات لسكان هذه المناطق.
واعتبر د. طلعت أن المنح المادية أو العينية لهؤلاء مجرد مسكنات لا تواجه المشكلة وأنه يجب التركيز على العشوائيات كمجتمع جغرافى والحد من انتشار العشوائيات.
دور الدعاة
أما د ياسر عمر إمام وخطيب مسجد قاهر التتار بمصر الجديدة فيؤكد على دور الدعاة فى هذه المرحلة لأن الناس تعتبرهم قُدوة، والناس فى حاجة إلى صوت وسطى يبلغهم دينهم، وأنه لابد لحل هذه المشكلة أن نمشى فى خطين متوازيين؛ الأول أن نشبع معدة هؤلاء، والثانى الاهتمام بهم دعويًا وأخلاقيًا.
وأضاف لقد واجه عمر بن الخطاب مشكلة المجاعة بالتوكل على الله، مع الأخذ بالأسباب بالتوجه إلى الأغنياء والموسرين من رعيته، واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد، وجعل يحمله على ظهره مع الحاملين إلى حيث يعثر على الجياع والفقراء وآلى على نفسه وأهله ألا يأكلوا طعامًا أنقى من الطعام الذى يصيبه الفقير، وكان يطبخ بنفسه كى يُطعم الفقراء والمحتاجين وكان بعض السلف يتفقد أصحاب البيوت المحتاجين ويسألهم: هل لكم زيت؟ هل لكم ملح؟ هل عندكم حاجة؟ ولما مات زين العابدين بن الحسين، وُجد أثناء الغسل فى ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب (الكيس) إلى بيوت الأرامل والمساكين.
لقد كانوا يرون أن قضاء حوائج الناس من العبادات التى يتعدى نفعها، وهى أولى بالتقديم من القرب المحضة إذا تعارضتا، حتى قال الحسن البصرى: لأن أقضى لأخ حاجة أحب إلىَّ من أن أعتكف شهرين.
وكان عمر بن عبدالعزيز يرى أن الأكباد الجائعة أولى بالصدقات من كسوة الكعبة، فقد كتب إليه الحجبة أن يأمر للبيت بكسوة، كما كان يفعل من كان قبله، فكتب إليهم إنى رأيت أن أجعل ذلك فى أكباد جائعة، فإنه أولى بذلك من البيت.
التكافل الاجتماعى
وأضاف د. ياسر من المهم إعادة تطبيق التكافل ماديًا واجتماعيًا حتى يقضى على الفقر والجهل والمرض.
فالمجتمع يعانى من مشاكل وأزمات قديمة وجديدة، والمهم هو التفكير فى حلها عبر إحداث تغيير حقيقى فى مسيرتنا الاجتماعية، وهذا التغيير يأتى بتقديم كل فرد من أفراد المجتمع ما يستطيع من خدمات وطاقات لتنصهر فى النهاية فى بوتقة المجتمع لننير الدرب كى ينمو المجتمع نمواً حقيقياً فى مختلف المجالات.
لابد من تقديم العون للناس دون مقابل لوجه الله تعالى: (لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان:9).
ويؤكد هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
ويؤكد د. ياسر عمر أن التكافل الاجتماعى فى الإسلام ليس مقصورًا على المساعدات المادية فقط، بل إن التواد والتراحم والتعاطف المعنوى هو نوع من التكافل بين أفراد المجتمع.
ويشير إلى ضرورة الرعاية المعنوية والمادية بالفئات الفقيرة والمهمشة، خاصة فى العشوائيات، حتى ننزع فتيل تلك المشكلة التى تمثل «قنبلة موقوتة»، ويحتاج علاجها لتضافر كل الجهود فى كل المجالات.
تحقيق: غادة مظلوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق